مُعْجِزَةُ الإِسْراءِ والمِعْراجِ
خطبة الجمعة لتاريخ 29/3/2019 الموافق 23 رجب 1440 هـ
إِنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُهُ وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا وسَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وأَشْهَدُ أَنَّ محمّدًا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ وصَفِيُّهُ وحَبِيبُهُ مَنْ بَعَثَهُ اللهُ رَحمَةً لِلْعالَمِينَ هادِيًا ومُبَشِّرًا ونَذِيرًا بَلَّغَ الرِّسالةَ وأَدَّى الأَمانَةَ ونَصَحَ الأُمَّةَ فَجَزاهُ اللهُ عَنَّا خَيْرَ ما جَزَى نَبِيًّا مِنْ أَنْبِيَائِهِ، وَصلّى اللهُ وسلّمَ عَلى سَيِّدِنا محمّدٍ الأَمِينِ وعلى ءالِهِ وصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطّاهِرِينَ.
أَمّا بَعْدُ فَيا عِبادَ اللهِ أُوصِي نَفْسِي وَإِيّاكُمْ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ. يَقُولُ اللهُ تَبارَكَ وتَعالى في كِتابِهِ الكَريمِ ﴿سُبحَٰنَ ٱلَّذِي أَسرَىٰ بِعَبدِهِۦ لَيلٗا مِّنَ ٱلمَسجِدِ ٱلحَرَامِ إِلَى ٱلمَسجِدِ ٱلأقصَا ٱلَّذِي بَٰرَكنَا حَولَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِن ءَايَٰتِنَآۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ ١﴾[1].
أَيُّها الأَحِبَّةُ تَمُرُّ عَلَيْنا في هَذا الشَّهْرِ الكَرِيمِ رَجَبٍ ذِكْرى الإِسْراءِ والمِعْراجِ، وَهِىَ مُناسَبَةٌ سامِيَةٌ لِذِكْرَى راقِيَةٍ يُحْتَفَلُ بِها لِعَظِيمِ مَدْلُولِها وجَلالِ قَدْرِها، كَيْفَ لا وهِيَ مُعْجِزَةٌ كُبْرَى خُصَّ بِها محمدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ النَّبِيُّ الأُمِّيُّ العَرَبِيُّ الأَمِين، خَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ وأَوْفَى الأَوْفِياءِ فَقَدْ كانَ إِسْراؤُهُ مِنْ مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ لِلأَقْصَى الشَّرِيفِ، ومِعْراجُهُ إِلى السَّمَاواتِ العُلاَ ورُجُوعُهُ في جُزْءِ لَيْلَةٍ يُخْبِرُ أَهْلَ الأَرْضِ عَمّا رَأَى مِنَ العَجائِبِ ويَصِفُ لَهُمُ الأَقْصَى نافِذَةً نافِذَةً، دَلِيلاً قاطِعًا وبُرْهانًا ساطِعًا على صِدْقِ دَعْوَتِهِ وحِقِّيَّةِ نُبُوَّتِهِ.
إِخْوَةَ الإيمانِ، رَوى النسائي عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ رَسولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قالَ “أُتِيتُ بِدَابَّةٍ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ البَغْلِ خَطْوُهَا عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهَا فَرَكِبْتُ وَمَعِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَسِرْتُ فَقَالَ انْزِلْ فَصَلِّ فَفَعَلْتُ فَقَالَ أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ صَلَّيْتَ بِطَيْبَةَ وَإِلَيْهَا الْمُهَاجَرُ ثُمَّ قَالَ انْزِلْ فَصَلِّ فَصَلَّيْتُ فَقَالَ أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ صَلَّيْتَ بِطُورِ سَيْنَاءَ حَيْثُ كَلَّمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ ثُمَّ قَالَ انْزِلْ فَصَلِّ فَنَزَلْتُ فَصَلَّيْتُ فَقَالَ أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ صَلَّيْتَ بِبَيْتِ لَحْمٍ حَيْثُ وُلِدَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ ثُمَّ دَخَلْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَجُمِعَ لِي الأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ فَقَدَّمَنِي جِبْرِيلُ حَتىَّ أَمَمْتُهُمْ ثُمَّ صُعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَإِذَا فِيهَا آدَمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ثُمَّ صُعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَإِذَا فِيهَا ابْنَا الْخَالَةِ عِيسَى وَيَحْيَ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ ثُمَّ صُعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ فَإِذَا فِيهَا يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ثُمَّ صُعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ فَإِذَا فِيهَا هَارُونُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ثُمَّ صُعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ فَإِذَا فِيهَا إِدْرِيسُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ[2] ثُمَّ صُعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ فَإِذَا فِيهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ ثُمَّ صُعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَإِذَا فِيهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ثُمَّ صُعِدَ بِي فَوْقَ سَبْعِ سَمَوَاتٍ فَأَتَيْنَا سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى“.
أَيُّها الأَحِبَّةُ لَقَدْ أُسْرِىَ بِرَسولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَيْلَةَ الإِسْراءِ مِنْ مَكَّةَ إِلى بَيْتِ المَقْدِسِ وجُمِعَ لَهُ الأَنْبِيَاءُ هُناكَ وصَلَّى بِهِمْ ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلى السَّمَاواتِ حَتَّى بَلَغَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى وهِيَ شَجَرَةٌ عَظِيمَةٌ بِها مِنَ الْحُسْنِ ما لا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ أَنْ يَصِفَهُ، ومِنْ حُسْنِها وَجَدَها الرَّسُولُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَغْشاها فَراشٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْراقُها كَآذانِ الفِيَلَةِ وثِمارُها كَالقِلالِ وهُناكَ رَأَى نَبِيُّنا صَلّى اللهُ عليْهِ وسلمَ سَيِّدَنا جِبْريلَ عَلَيْهِ السَّلامُ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى، فَدَنا جِبْريلُ مِنْ نَبِيِّنا صلّى اللهُ عَليْهِ وسلمَ لِشِدَّةِ شَوْقِهِ إِلى النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حَتَّى كانَ ما بَيْنَهُما قَدْرَ ذِراعَيْنِ أَوْ أَقَلَّ، كَما قالَ تَعالى في النبيِّ صلى اللهُ عليْهِ وسلمَ ﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلهَوَىٰٓ ٣ إِن هُوَ إِلَّا وَحي يُوحَىٰ ٤ عَلَّمَهُۥ شَدِيدُ ٱلقُوَىٰ ٥ ذُو مِرَّةٖ فَٱستَوَىٰ ٦ وَهُوَ بِٱلأُفُقِ ٱلأَعلَىٰ ٧ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ ٨ فَكَانَ قَابَ قَوسَينِ أَو أَدنَىٰ ٩﴾[3] عَلَّمَ النبيَّ صلّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ شَديدُ القُوَى ذُو الْمِرَّةِ جِبْريلُ، وهُوَ الَّذي دَنا مِنَ النَّبِيِّ صلّى الله عليْهِ وسلَّم، وكانَ حينَ رَءاهُ النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى على صُورَتِهِ الأَصْلِيَّةِ كَما قالَ تَعالى ﴿ وَلَقَد رَءَاهُ نَزلَةً أُخرَىٰ ١٣ عِندَ سِدرَةِ ٱلمُنتَهَىٰ ١٤ عِندَهَا جَنَّةُ ٱلمَأوَىٰٓ ١٥﴾[4]. رَوى البُخارِيُّ ومُسْلِمٌ إِمَامَا أَهْلِ الحَديثِ عَنِ السَّيِّدَةِ الصِّدِّيقَةِ بِنْتِ الصِّدِّيقِ زَوْجَةِ رَسُولِ اللهِ صلّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ عائِشَةَ بِنْتِ أَبي بَكْرٍ أَنَّها عِنْدَما ذُكِرَ لَها قَوْلُ اللهِ تَعالى ﴿ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ ٨﴾[5] قالَتْ إِنَّما ذاكَ جِبْريلُ اهـ أَىْ وَلَيْسَ الْمَقْصودُ بِهَذِهِ الآيَةِ أَنَّ النبيَّ صلّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ دَنا مِنْ رَبِّهِ تَعالى بِالْمَسافَةِ والجِهَةِ حَتَّى صارَ أَقْرَبَ إِلَيْهِ مِنْ ذِراعَيْنِ لِأَنَّ اللهَ تَعالى لَيْسَ جِسْمًا ذَا كَمِّيَّةٍ، وَلَيْسَ لَهُ مَكانٌ وَلا جِهَةٌ فَيَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ القُرْبُ الْمَسافِيُّ والبُعْدُ الْمَسافِيُّ وهَذا أَمْرٌ ظاهِرٌ بَيِّنٌ. فَالْزَمْ أَخِي عَقيدَةَ أَهْلِ السُّنَّةِ تَكُنْ مِنَ الفائِزِينَ بِإِذْنِ رَبِّ العالَمِينَ.
ورَأَى رَسولُ اللهِ صَلّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ أَيُّها الأَحِبَّةُ في السَّماءِ السّابِعَةِ البَيْتَ الْمَعْمُورَ، وهُوَ بَيْتٌ مُشَرَّفٌ، وهو لِأَهْلِ السَّماءِ كَالكَعْبَةِ لِأَهْلِ الأَرْضِ، كُلَّ يَومٍ يَدْخُلُهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يُصَلُّونَ فيهِ ثُمَّ يَخْرُجونَ ولا يَعُودُونَ أَبَدًا. ثُمَّ وَصَلَ إِلى مَكانٍ يَسْمَعُ فيهِ صَرِيفَ الأَقْلامِ الَّتي تَنْسَخُ بِها الْمَلائِكَةُ في صُحُفِها مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَيْ صَوْتَ جَرْيِ القَلَمِ عَلى صَحائِفِهِمْ. ورَأَى عَلَيْهِ الصّلاةُ والسّلامُ الجَنَّةَ وهِيَ الدَّارُ الَّتي أَعَدَّها اللهُ لِتَنْعِيمِ الْمُؤْمِنينَ، ومَكانُها فَوْقَ السَّماءِ السّابِعَةِ ورَأَى فِيها الْحُورَ العِينِ ورَأَى العَرْشَ، والعَرْشُ أَحِبَّتِي هُوَ جِرْمٌ كَبِيرٌ خَلَقَهُ اللهُ تَعالى وجَعَلَهُ سَقْفَ الجَنَّةِ وهُوَ أَكْبَرُ مِنْها حَجْمًا بَلْ هو أَكْبَرُ مَخْلُوقاتِ اللهِ حَجْمًا فَقَدْ رَوَى ابْنُ حِبّانَ في صَحِيحِهِ عَنْ أَبي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ قالَ “مَا السَّمَوَاتُ السَّبْعُ مَعَ الكُرْسِيِّ إِلاَّ كَحَلْقَةٍ مُلْقاةٍ بِأَرْضٍ فَلاَةٍ، وفَضْلُ العَرْشِ على الكُرْسِيِّ كَفَضْلِ الفَلاةِ عَلى الحَلْقَةِ“اهـ وهُوَ كَالسَّرِيرِ الكَبِيرِ لَهُ قَوائِمُ أَرْبَعٌ يَحْمِلُهُ اليَوْمَ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمَلائِكَةِ ويَوْمَ القِيامَةِ يَكُونُونَ ثَمانِيَةً. وقَدْ خَلَقَ اللهُ تَعالى العَرْشَ إِظْهارًا لِقُدْرَتِهِ لا لِيَتَّخِذَهُ مَكانًا لِذاتِهِ كَما أَخْبَرَ مِصْباحُ التَّوْحيدِ سَيِّدُنا عَلِيٌّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ، وذَلِكَ لِأَنَّ عَدَدًا عَظِيمًا مِنَ الْمَلائِكَةِ يَطُوفُونَ حَوْلَ العَرْشِ، وَإِذا أَرادُوا الصَّلاةَ يُصَلُّونَ إِلَيْهِ كَمَا نَطُوفُ حَوْلَ الكَعْبَةِ ونُصَلِّي إِلَيْها فَإِذا نَظَرُوا إِلَيْهِ ورَأَوْا عَظِيمَ حَجْمِهِ وَخَلْقِهِ سَبَّحُوا اللهَ وَازْدادُوا عَلى يَقِينِهِمْ يَقِينًا بِعَظِيمِ قُدْرَةِ اللهِ سُبْحانَهُ كَما قالَ تَعالى ﴿ وَتَرَى ٱلمَلَـٰٓئِكَةَ حَآفِّينَ مِن حَولِ ٱلعَرشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمدِ رَبِّهِم وَقُضِيَ بَينَهُم بِٱلحَقِّۚ وَقِيلَ ٱلحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلعَٰلَمِينَ ٧٥﴾[6]
وَقالَ بَعْضُ العُلَماءِ كانَ ذَهابُهُ مِنْ مَكَّةَ إِلى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى وعُرُوجُهُ إِلى أَنْ عادَ إِلى مَكَّةَ في نَحْوِ ثُلُثِ لَيْلَةٍ، فَأَخْبَرَ الكُفّارَ فَلَمْ يُصَدِّقُوهُ وَكَذَّبُوهُ وَاسْتَهْزَؤُوا بِهِ فَتَجَهَّزَ ناسٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلى أَبي بَكْرٍ فَقالُوا لَهُ “هَلْ لَكَ في صاحِبِكَ يَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ جاءَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ ثُمَّ رَجَعَ إِلى مَكَّةَ في لَيْلَةٍ واحِدَةٍ” فَقالَ أَبُو بَكْرٍ “أَوَ قالَ ذَلِكَ؟ قالُوا نَعَمْ قالَ “فَأَشْهَدُ لَئِنْ كانَ قالَ ذَلِكَ لَقَدْ صَدَقَ” قالُوا “فَتُصَدِّقُهُ بِأَنْ يَأْتِيَ الشَّامَ في لَيْلَةٍ واحِدَةٍ ثُمَّ يَرْجِعَ إِلى مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ؟ قالَ “نَعَمْ إِنِّي أُصَدِّقُهُ بِأَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ أُصَدِّقُهُ بِخَبَرِ السَّماءِ”. فَبِها سُمِّيَ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وجَمَعَ أَبُو جَهْلٍ قَوْمَهُ فَحَدَّثَهُمُ الرَّسولُ صَلّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ بِما رَأَى، فَقالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكينَ أَنا أَعْلَمُ النّاسِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وكَيْفَ بِناؤُهُ وكَيْفَ هَيْئَتُهُ وكَيْفَ قُرْبُهُ مِنَ الجَبَلِ فَإِنْ يَكُنْ مُحَمَّدٌ صادِقًا فَسَأُخْبِرُكُمْ وَإِنْ يَكُنْ كاذِبًا فَسَأُخْبِرُكُمْ فَجَاءَهُ ذَلِكَ الْمُشْرِكُ فَقالَ يا محَمَّدُ أَنا أَعْلَمُ النّاسِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ فَأَخْبِرْني كَيْفَ بِناؤُهُ وَكَيْفَ هَيْئَتُهُ وكَيْفَ قُرْبُهُ مِنَ الجَبَلِ فَرُفِعَ لِرَسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ مِنْ مَقْعَدِهِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ كَنَظَرِ أَحَدِنا إِلى بَيْتِهِ بِناؤُهُ كَذا وكذا وهَيْئَتُهُ كذا وكذا وقُرْبُهُ مِنَ الجَبَلِ كذا وكذا فَقالَ الآخَرُ صَدَقْتَ وفي رِوايَةٍ قالَ أَمَا النَّعْتُ أَيِ الوَصْفُ فَقَدْ وَاللهِ أَصابَ”. وفي هَذا قالَ القائِلُ
والْمَسْجِدُ الأَقْصى عَلَيْهِ مِنَ التُّقَى حُلَـلٌ ومِـنْ نُـورِ الْهُـدَى لأْلاءُ
والأَنْبِيَـــــــــــــــاءُ بِبـــــــــــابِـهِ قَـدْ شـــــــــاقَهُمْ نَحْـوَ النَّـبِيِّ مَحَبَّـةٌ ورِضــاءُ
يـا صاحِبَ المِعْراجِ فَوْقَ الْمُنْتَهى لَـكَ وَحْـدَكَ المِعْـراجُ والإِسْـراءُ
يـا واصِفَ الأَقْصى أَتَيْتَ بِوَصْفِهِ وكَأَنَّــكَ الرَّسَّــامُ والبَنَّــاءُ
فَالإِسْراءُ والمِعْراجُ إِخْوَةَ الإِيمانِ مِنْ مُعْجِزاتِ النبيِّ العَظِيمَةِ الدّالَّةِ عَلى نُبُوَّتِهِ صلّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ قَطْعًا. اَللَّهُمَّ اجْمَعْنا بِحَبِيبِكَ محَمَّدٍ في الفِرْدَوْسِ الأَعْلى وداوِنا يا رَبَّنا بِنَظْرَةٍ مِنْهُ وَارْزُقْنا شَرْبَةً مِنْ حَوْضِهِ لا نَظْمَأُ بَعْدَها يا رَبَّ العالَمِينَ.
هَذا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لي ولَكُمْ.
[1] سُورَةُ الإِسْرَاء/1.
[2] وفي رواية مسلم أنه التقى عليه الصلاة والسلام التقى سيّدنا ادريسَ في السماء الرابعة والتقى بسيِّدنا هارونَ في الخامسة
[3] سورةُ النَّجْم/1-9.
[4] سورة النجم/13-15.
[5] سورة النجم/8.
[6] سورَةُ الزُّمَر/75.