الإِيمَانُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ
خطْبَةُ الجُمُعَةِ بتاريخ 01/03/2019 الموافق ٢٤ جمادى الآخرة ١٤٤٠ هـ
الحمْدُ للهِ الواحِدِ القَهّارِ العَزِيزِ الغَفّارِ مُكَوِّرِ اللَّيْلِ عَلى النَّهارِ تَذْكِرَةً لِأُولِي القُلُوبِ والأَبْصارِ وتَبْصِرَةً لِذَوِي الأَلْبابِ والاِعْتِبارِ وَصَلّى اللهُ عَلى سَيِّدِنا محمَّدٍ وعَلى ءالِهِ وصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطاهِرِينَ وسَلَّم، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَحَبِيبَنَا وَعَظِيمَنَا وَقَائِدَنَا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَصَفِيُّهُ وَحَبِيبُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى كُلِّ رَسُولٍ أَرْسَلَهُ مَنْ بَعَثَهُ اللهُ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ هادِيًا ومُبَشِّرًا ونَذِيرًا بَلَّغَ الرِّسالَةَ وأَدّى الأَمانَةَ ونَصَحَ الأُمَّةَ فَجَزاهُ اللهُ عَنّا خَيْرَ ما جَزَى نَبِيًّا مِنْ أَنْبِيائِه.
أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللهِ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ ونَفْسِيَ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ القائِلِ في مُحْكَمِ كِتابِهِ ﴿وَمَن لَّم يُؤمِن بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعتَدنَا لِلكَٰفِرِينَ سَعِيرا﴾ إِخْوَةَ الإِيمانِ إِنَّ مِمَّا يَجِبُ عَلى الْمُكَلّفِينَ الإِيمانَ بِاللهِ ورَسُولِهِ وهُوَ أَصْلُ الواجِباتِ وأَفْضَلُها وأَعْلاها وأَوْلاها فَأَمّا الإِيمانُ بِاللهِ فَهُوَ الاِعْتِقادُ الجازِمُ بِوُجُودِهِ تَعالى عَلى ما يَلِيقُ بِهِ فَهُوَ تَعالى مَوْجُودٌ لا شَكَّ في وُجُودِهِ مَوْجُودٌ بِلا كَيْفِيَّةٍ ولا كَمِّيَّةٍ ولا مَكانٍ ولا جِهَةٍ، وأَمّا الإِيمانُ بِرَسُولِهِ محمَّدٍ صَلّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ فَهُوَ الاِعْتِقادُ بِأَنَّ محمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ هُوَ رَسُولُ اللهِ إِلى الإِنْسِ والجِنِّ وأَنَّهُ صادِقٌ في كُلِّ ما يُبَلِّغُهُ عَنِ الله.
فَمَعْرِفَةُ اللهِ تَعالى مَعَ إِفْرادِهِ بِالعِبادَةِ أَيْ نِهايَةِ التَّذَلُّلِ أَعْظَمُ حُقُوقِ اللهِ عَلى عِبادِهِ فَمَعْرِفَتُنا نَحْنُ بِاللهِ لَيْسَتْ عَلى سَبِيلِ الإِحاطَةِ بَلْ بِمَعْرِفَةِ ما يَجِبُ للهِ تَعالى كَوُجُوبِ قِدَمِهِ تَعالى أَيْ أَزَلِيَّتِهِ ووُجُوبِ وَحْدانِيَّتِهِ وعِلْمِهِ بِكُلِّ شَىْءٍ ومُخالَفَتِهِ لِلْمَخْلُوقاتِ وتَنْزِيهِهِ عَمّا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ تَعالى كَاسْتِحالَةِ الشَّرِيكِ لَهُ والحَدِّ أَيِ الحَجْمِ والشَّكْلِ والهَيْئَةِ والصُّورَةِ والتَّحَيُّزِ في الْمَكانِ والجِهَةِ ومَعْرِفَةِ ما يَجُوزُ في حَقِّهِ تَعالى كَخَلْقِ شَىْءٍ وتَرْكِهِ، فَقَدْ قالَ الإِمامُ أَحْمَدُ الرِّفاعِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ غايَةُ الْمَعْرِفَةِ بِاللهِ الإِيقانُ بِوُجُودِهِ تَعالى بِلا كَيْفٍ ولا مَكانٍ اهـ أَيْ أَنَّ أَقْصَى ما يَصِلُ إِلَيْهِ العَبْدُ مِنَ الْمَعْرِفَةِ بِاللهِ الاِعْتِقادُ الجازِمُ الَّذِي لا شَكَّ فِيهِ بِوُجُودِ اللهِ تَعالى بِلا كَيْفٍ ولا مَكان، فَقَوْلُهُ بِلا كَيْفٍ صَرِيحٌ في نَفْيِ الجِسْمِ والحَيِّزِ والشَّكْلِ والحَرَكَةِ والسُّكُونِ والاِتِّصالِ والاِنْفِصالِ والقُعُودِ عَنْهُ تَعالى فَالكَيْفُ يَشْمَلُ كُلَّ ما كانَ مِنْ صِفاتِ الْمَخْلُوقِينَ فَمَنْ أَيْقَنَ بِأَنَّ اللهَ مَوْجُودٌ بِلا كَيْفٍ ولا مَكانٍ فَقَدْ وَصَلَ إِلى غايَةِ ما يَبْلُغُ الإِنْسانُ مِنْ مَعْرِفَةِ اللهِ تَبارَكَ وتَعالى. ومَعْرِفَةُ رَسُولِهِ صَلّى اللهُ علَيْهِ وسَلَّمَ تَكُونُ بـمَعْرِفَةِ ما يَجِبُ لِلْأَنْبِياءِ مِنَ الصِّفاتِ وما يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِمْ وما يَجُوزُ في حَقِّهِم.
ويَجِبُ قَرْنُ الإِيمانِ بِرِسالَةِ سَيِّدِنا محمَّدٍ صَلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بِالإِيمانِ بِاللهِ تَعالى فَالجَمْعُ بَيْنَ الشَّهادَتَيْنِ ضَرُورِيٌّ لِلنَّجاةِ مِنَ الخُلُودِ الأَبَدِيِّ في النارِ فَإِنَّ مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ اللهَ مَوْجُودٌ ولَمْ يُؤْمِنْ بِمُحَمَّدٍ فَلَيْسَ بِـمُؤْمِنٍ ولا مُسْلِمٍ بِدَلِيلِ الآيَةِ الآنِفَةِ الذِّكْر.
ولَيْسَ الأَمْرُ كَما قالَ بَعْضُ الـمُشْرِكِينَ إِنّا لَنُعْطَى في الآخِرَةِ أَفْضَلَ مِمَّا تُعْطَوْنَ فَقَدْ قالَ اللهُ تَعالى مُكَذِّبًا لَهُمْ ﴿أَفَنَجعَلُ ٱلمُسلِمِينَ كَٱلمُجرِمِينَ﴾، أَيْ لا يَتَساوَى عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ ءامَنُوا بِرَبِّهِمْ والكافِرُونَ وهُوَ اسْتِفْهامٌ فِيهِ تَوْقِيفٌ لَهُمْ عَلى خَطَإِ ما قالُوا وتَوْبِيخٌ وتَقْرِيعٌ، فَيَجِبُ الإِيـمانُ بِاللهِ ورَسُولِهِ إِخْوَةَ الإِيـمانِ ولا تَلْتَفِتُنَّ إِلى مَنْ يُخالِفُ ذَلِكَ فَيُسَوِّي بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وغَيْرِهِ ويَدْعُو الناسَ إِلى عِبادَةِ ما شاؤُوا مِنْ دُونِ اللهِ والعِياذُ بِاللهِ فَإِنَّ الآخِرَةَ ءاتِيَةٌ والسُّؤالَ حَقٌّ وأَهَمَّ ما يُحاسَبُ عَلَيْهِ الإِنْسانُ هُوَ الإِيـمان. أَلَيْسَ رُوِيَ أَنَّ بَعْضَ كُفّارِ قُرَيْشٍ طَلَبُوا مِنَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ علَيْهِ وسَلَّمَ أَنْ يَعْبُدَ أَوْثانَهُمْ سَنَةً ويَعْبُدُوا إِلَهَهُ سَنَةً فَأَنْزَلَ اللهُ تَعالى سُورَةَ الكافِرُونَ فَقالَ عَزَّ مِنْ قائِلٍ ﴿قُل يَـٰأَيُّهَا ٱلكَٰفِرُونَ﴾ أَيْ قُلْ يا محمَّدُ وأَمَرَهُ تَعالى أَنْ يُخاطِبَهُمْ بِكَلِمَةِ “الكافِرُون” ﴿لَا أَعبُدُ مَا تَعبُدُونَ﴾ أَيْ لا الآنَ ولا فِيما بَقِيَ مِنْ عُمُرِي ﴿وَلَا أَنتُم عَٰبِدُونَ مَا أَعبُدُ﴾ أَيْ لا الآنَ ولا فِيما يُسْتَقْبَلُ إِذْ إِنَّ اللهَ تَعالى عَلِمَ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ﴿وَلَا أَنَا عَابِد مَّا عَبَدتُّم وَلَا أَنتُم عَٰبِدُونَ مَا أَعبُدُ﴾ هَذا تَوْكِيدٌ فائِدَتُهُ قَطْعُ أَطْماعِ الكُفّارِ وتَحْقِيقُ الإِخْبارِ بِوَفاتِهِمْ عَلى الكُفْرِ وأَنَّهُمْ لا يُسْلِمُونَ أَبَدًا ولا يُؤْمِنُونَ ﴿لَكُم دِينُكُم وَلِيَ دِينِ﴾ وَفِي هَذِهِ الآيَةِ مَعْنَى التَّهْدِيدِ فَقَوْلُهُ تَعالى ﴿لَكُم دِينُكُم﴾ أَيِ الباطِلُ وهُوَ الشِّرْكُ الَّذِي تَعْتَقِدُونَهُ ﴿وَلِيَ دِينِ﴾ الَّذِي هُوَ دِينُ الحَقِّ وهُوَ الإِسْلامُ أَيْ لَكُمْ شِرْكُكُمْ ولِيَ تَوْحِيدِي وهَذا غايَةٌ في التَبَرُّئِ مِنَ الباطِلِ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ ومِثْلُ ذَلِكَ في إِفادَةِ التَّهْدِيدِ والوَعِيدِ قَوْلُهُ تَعالى ﴿فَمَن شَاءَ فَليُؤمِن وَمَن شَاءَ فَليَكفُر﴾ أَيْ أَنَّ مَنِ اخْتارَ الإِيـمانَ لا يَكُونُ كَمَنِ اخْتارَ الكُفْرَ بَلْ مَنِ اخَتارَ الكُفْرَ مُؤاخَذٌ ومَنِ اخْتارَ الإِيـمانَ مُثابٌ وبَقِيَّةُ الآيَةِ تَدُلُّ عَلى هَذا الـمُرادِ مِنْها ﴿إِنَّا أَعتَدنَا لِلظَّـٰلِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِم سُرَادِقُهَا وَإِن يَستَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَاء كَالمُهلِ يَشوِي ٱلوُجُوهَ بِئسَ الشَّرَابُ وَسَاءَت مُرتَفَقًا﴾ نَسْأَلُ اللهَ تَعالى أَنْ يُحْيِيَنَا مُسْلِمِينَ وأَنْ يَتَوَفّانا مُؤْمِنِينَ وأَنْ يُعافِيَنا مِنَ الفِتَنِ في الدِّين.
أَقُولُ قَوْلِي هَذا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لي ولَكُمْ.
الخطبة الثانية
إِنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيه وَنَشْكُرُهُ وَنَعُوذُ بِالله مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ. وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ بْنِ عَبْدِ اللهِ وعَلى كُلِّ رَسُولٍ أَرْسَلَهُ، أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللهِ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ.
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظيمٍ، أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلى نِبِيِّهِ الكريمِ فَقالَ ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـٰئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيهِ وَسَلِّمُواْ تَسلِيمًا﴾ اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهيمَ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاِهيمَ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. يَقُولُ اللهُ تَبارَكَ وتَعالى ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُم إِنَّ زَلزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيءٌ عَظِيم يَومَ تَرَونَهَا تَذهَلُ كُلُّ مُرضِعَةٍ عَمَّا أَرضَعَت وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَملٍ حَملَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَٰرَىٰ وَمَا هُم بِسُكَٰرَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيد﴾، اللَّهُمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعَاءَنَا فاغْفِرِ اللَّهُمَ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالـمُؤْمِنَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ رَبَّنا ءَاتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وقِنَا عَذَابَ النَّارِ. عِبَادَ اللهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالـمُنْكَرِ وَالبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُم تَذَكَّرُونَ اذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ يَزِدْكُمْ وَاسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ وَاتَّقُوهُ يَجْعَلْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مَخْرَجاً، وَأَقِمِ الصَّلاَةَ.